فصل: مطلب في الأنفال وكون الإيمان يزيد وينقص وقصة بدر ورؤيا عاتكة وتعهد الشيطان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



38- {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}: في العقاب بالاستئصال وبالأسر والقتل وغيره.
39- {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: أي: كفر لأنهم يدعون الناس إلى مثل حالهم فيفتنونهم.
{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}: الطاعة بالعبادة.
37- {فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا}: يجعل بعضه فوق بعض كالسحاب الركام.
41- {غَنِمْتُمْ}: ما أخذ من المشركين بقتال غنيمة وبغيره فيء.
{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}: لبيت اللّه. وقيل: سهم اللّه وسهم الرسول واحد، وذكر اللّه تشريف السهم.
قال محمد بن الحنفية: هذا مفتاح كلام، للّه الدّنيا والآخرة.
{والعدوة}: بضم العين وفتحها وكسرها: شفير الوادي، فتميم لا تعرف العدوة بضم العين وتقول: خذ أعداء الوادي.
42- {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}: أبو سفيان وأصحابه.
{وَلَوْ تَواعَدْتُمْ}: أي: من غير عون اللّه {لَاخْتَلَفْتُمْ}، {وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ}.
43 {فِي مَنامِكَ قَلِيلًا}: هي رؤيا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالبشارة والغلبة.
والرّؤيا تكون من اللّه، ومن الشيطان، ومن غلبة الأخلاط، ومن الأفكار.
وقيل: {فِي مَنامِكَ}: في عينيك لأنها موضع النوم كالمقام موضع القيام.
44- {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}: لئلا يستعدوا لكم، وجاز أن يري اللّه الشّيء على خلاف ما هو به لأنّ الرؤيا تخيّل من غير قطع.
47- {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ}: نفير قريش خرجوا حامين للعير، فلما نجا أبو سفيان أرسل إليهم: أن ارجعوا فقد أمنا ونزلنا بالجحيفة. فقال أبو جهل: لا حتى نرد بدرا، وننحر جزرا، ونشرب خمرا، وتعزف لنا القيان.
{وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}: إحاطة علم واقتدار.
48- {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ}: ظهر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني في جماعة من جنده، وقال: هذه كنانة قد أتتكم تنجدكم، فلما رأى الملائكة {نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ} رجع القهقرى ذليلا.
وقال الحسن: وسوس لهم ذلك ولم يظهر.
وقال: {إِنِّي أَخافُ اللَّهَ} لأنه ظن أن الوقت المنظر إليه حضر.
56- {الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ}: أي: من شأنهم نقض العهد.
57- {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}: نكّل بهم تنكيلا، تشرد غيرهم وتفرقهم به.
58- {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ}: فألق إليهم حديث الحرب على استواء في العلم منك ومنهم.
60- {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ}: بنو قريظة، وقيل بنو قينقاع.
63- {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}: الأوس والخزرج وكانوا يتفانون حربا.
65- {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}: التحريض أن يحث المرء حثا، يحرض، أي: يهلك إن تركه، ويقال: حارض على الأمر وواظب وواكب وواصب.
67- {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى}: في أسارى بدر حين رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم الفداء.
{حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}: يكثر من القتل.
ومتاع الدنيا: عرض لقلة بقائه ووشك فنائه.
68- {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ}: أنه لا يعذب إلا بعد مظاهرة البيان، أو أنه يحل لكم الغنائم.
70- {فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا}: بصيرة.
{يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ}: من الفداء. في العباس حين فدا نفسه وابني أخيه عقيلا ونوفلا.
قال العباس: فآتاني اللّه خيرا منه، مالا كثيرا، منها عشرون عبدا أدناهم يضرب بعشرين ألف دينار.
72- {مِنْ وَلايَتِهِمْ}: الاجتماع على التناصر.
وقال الأزهري: الولاية بالفتح في النسب والنصرة، وبالكسر في الإمارة.
74- {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}: طعام أهل الجنة لا يستحيل نجوا بل كالمسك رشحا. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الأنفال:
عدد 2 و98 و8.
نزلت بالمدينة بعد سورة البقرة عدا الآيات من 30 إلى 36 فإنها نزلت بمكة.
وهي خمس وسبعون آية، وألف وخمس وسبعون كلمة، وخمسة آلاف وثمانون حرفا.
لا يوجد في القرآن سورة مبدوءة بما بدئت به هذه السورة في القرآن العظيم، ويوجد سورتان مختومة بما ختمت به النساء والنور، ومثلها في عدد الآي سورة الزمر فقط.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال تعالى يا سيد الرسل إن قومك {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ} هي غنائم الحرب {قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} لا يحكم بتقسيمها أو تخصيصها أحد غيرهما {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أيها المؤمنون، ولا تختلفوا فيها أو تتخاصموا من أجلها، بل اتركوها لمن وهبها لكم وفوضوا الأمر فيها للّه والرسول {وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} واتركوا الشقاق وكونوا متآخين مجتمعين على كلمة الحق بينكم أنفسكم وبينكم وبين ربكم ولا تستبدوا بشيء أبدا حتى يقضى لكم فيه {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 1} بهما إيمانا صحيحا كاملا في القول والفعل والنية.

.مطلب في الأنفال وكون الإيمان يزيد وينقص وقصة بدر ورؤيا عاتكة وتعهد الشيطان:

واعلم أن سبب نزول هذه الآية ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه قال: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت به سعيد بن العاص وأخذت سيفه، فأعجبني، فجئت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقلت إن اللّه قد شفى صدري من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال ليس هذا لي ولا لك، اطرحه في القبض أي مجمع الغنائم المسماة بالأنفال جمع نفل فطرحته وفي ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى من قتل أخي وأخذ سلبي، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقد أنزلت سورة الأنفال، فقال يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي وانه قد صار لي فاذهب فخذه- أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح- وأخرجه مسلم في حديث طويل قال: فأخذته وذهب ما كان يحوك في صدري، وعلمت أن حضرة الرسول لم يمنعه مني لأمر آخر، وإنما أراد قضاء اللّه في ذلك وغيره.
ومن الطاعة أن لا يقول الرجل لولي أمره في شيء فعله لم فعلته، ولا في شيء لم يفعله لم لا تفعله أبدا.
وليعلم بأنه أعم بما يفعل وبما لا يفعل، وما تؤول إليه العاقبة وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لما كان يوم بدر قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم من قتل قتيلا فله كذا وكذا، فأما الشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت الشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا رداءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا، فاختصموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فنزلت.
واخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في السنن وغيرهم عن أبي أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، فساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه اللّه من أيدينا وجعله إلى رسول اللّه.
وهذا أولى بأن يكون سببا للنزول، لأنه لو لم يكن اختلاف وتخاصم في النفل لما وقع السؤال عنه، ولما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ} إذ لا حاجة إلى التحذير والأمر بالصلح بعد الجواب.
وقد جاءت روايات متعددة بشأن السيف المذكور على خلاف ما جاء في حديث سعد، ولذلك قالوا إنه أي الحديث الذي رواه سعد المار ذكره مضطرب، لأن البخاري أخرج في ناسخه عن سعيد بن جبير أن سعدا ورجلا من الأنصار خرجا يتنقلان، فوجدا سيفا ملقى، فخرا عليه جميعا، فقال سعد هو لي، وقال الأنصاري هو لي، لا أسلمه حتى آتي رسول اللّه، فأتياه فقصّا عليه القصة، فقال عليه الصلاة والسلام ليس لك يا سعد، ولا للأنصاري، ولكنه لي، فنزلت.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه وغيرهم عن سعد أنه قال أصاب رسول اللّه غنيمة فإذا فيها سيف فأخذته فأتيت رسول اللّه فقلت نفلني هذا السيف، فأنا من علمت، فقال ردّه من حيث أخذته، فرجعت به حتى أردت أن ألقيه في القبض لا متني نفسي، فرجعت إليه فقلت أعطنيه، فشد لي صوته وقال ردّه من حيث أخذته، فأنزل اللّه هذه الآية.
فالاختلاف في هذه الروايات ينفي الاعتماد على ذلك، وسياق الآية يوافق رواية ابن عباس والعمدة عليها لا على ما رواه سعد والحادثة وقعت بعد الرجوع من بدر ويؤكدها جمع الغنائم وجعلها في القبض ثم تقسيمها بمعرفة الرسول على المسلمين، ويدل عليها حديث عبادة بن الصامت المار ذكره.
والنفل هو ما ينفله الغازي أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم، كان يقول الإمام تحريضا على البلاء في الحرب من قتل قتيلا فله سلبه، أو يقول لسرية ما أصبتم فهو لكم أو نصفه أو ربعه، وهذا لا يخمس، إذ يلزم الإمام الوفاء بوعده وهو مما يزيد في عزم المجاهد وحزمه وتقدمه لكل سرية، لأنه إذا علم أن ما يصيبه يكون له يزداد رغبة في لقاء الأعداء وهمة ونشاطا في خوض الحرب زيادة على رغبته في إعلاء كلمة اللّه وطاعة رسوله والشهادة في الآخرة.
واعلم أن استباحة الغنائم من خصائص هذه الأمة، لأنها كانت حراما على من قبلها فتكون شريعة هذه الأمة ناسخة لشرائع من قبلها من الأنبياء ومخصصة لآية الخمس الآتية، وهي محكمة غير منسوخة بها كما قال عبد الرحمن بن زيد قول لابن عباس، وعلى هذا فإن معناها أن الغنائم للّه ورسوله يضعها حيث يشاء، وقد بين اللّه تعالى مصارف الغنائم في آية الخمس بدليل ما صح من حديث بن عمر: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في سرية فغنمنا إبلا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرا وفضّلنا بعيرا.- أخرجاه في الصحيحين- وعليه فإن للإمام أن ينفل ما شاء بما يشاء ولمن شاء قبل التخميس، وإن حادثة بدر هذه أول حادثة وقعت بين حضرة الرسول نفسه وأصحابه وبين مشركي العرب من أهل مكة، وهي أول حرب شهدها حضرة الرسول.
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} خافت وضعفت هيبة لجلال ربهم واستعظاما لعزة سلطانه {وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيمانًا} ويقينا وطمأنينة تفيد هذه الآية أن الإيمان يزيد وينقص وهو ما اعتمدته قبلا وذكرت أن الخلاف فيه بين الأشاعرة والماتريدية لفظي، لأن الإيمان من حيث هو إيمان لا يزيد ولا ينقص، ومن حيث الأعمال فلا شك أنه يقبل الزيادة ويتعرض للنقصان، لأن ذا الأعمال الصالحة أكمل إيمانا من غيره، فإذا كان الإيمان تصديقا بالقلب وإقرارا باللسان واعتقادا بالجنان فمن هذه الحيثية لا يزيد ولا ينقص، وإذا كان مع ذلك عملا بالأركان وفعلا بالجوارح فإنه يزيد وينقص حتما، وإذا قبل الزيادة فإنه يقبل النقص، فلا وجه لقول من يقول إنه يقبل الزيادة فقط.
ولهذا أجاز الشافعي للرجل أن يقول: أنا مؤمن إن شاء اللّه، وأوجب أبو حنيفة أن يقول: أنا مؤمن حقا وأن من وصل الاستثناء في هذه الجملة فهو مشرك في إيمانه، وقدمنا في الآية 5 من سورة البقرة المارة ما يتعلق في هذا البحث بصورة واضحة، وله صلة في الآية 125 من سورة التوبة الآتية فراجعها.
ثم زاد في وصف أولئك المؤمنين فقال: {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [2] في أمورهم فلا يخشون ولا يرهبون غيره، ولا يعتمدون إلا عليه.
هذا، ولما كان الخوف والرجاء والخضوع والخشية عند ذكر اللّه تعالى وزيادة الإيمان واليقين عند تلاوة القرآن والتوكل على اللّه والتفويض إليه عند العزم على الأعمال والأفعال، وهذه كلها من أعمال القلوب، وهي من كنوز البر التي عدها الإمام الشافعي رحمه اللّه في قوله:
يا من تعزز بالدنيا وزينتها ** والدهر يأتي على المبنيّ والباني

ومن يكن عزّه الدنيا وزينتها ** فعزّه عن قليل زائل فاني

واعلم بأن كنوز الأرض من ذهب ** فاجعل كنوزك من برّ وإحسان

ثم أتبعها بما هو من أعمال الجوارح فقال جل قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} بأوقاتها مكملين شروطها وأركانها {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} في وجوه البر والقربات {أُولئِكَ} الجامعون لهذه الصفات الخمس الحسيّة والمعنوية {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وصدقا الكاملو الإيمان قولا فعلا {لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} في جنته العالية على حسب كمال إيمانهم وصلاح أعمالهم {وَمَغْفِرَةٌ} لذنوبهم بأن يبقيها مستورة في الدنيا فيما بينه وبينهم ولا يفضحهم عليها بالآخرة كرما منه، ولا يؤاخذهم بها {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} لهم في مقعد صدق لا يكدره كد الكسب وهم المعيشة، ولا يشوبه خوف الحساب، ولا يعتريه توهم الفقر، ولا يتطرق إليه مظنة النفاد، الملازمات لرزق الدنيا.
وان ما ذكر هو للمؤمنين بالآخرة حق لا مرية فيه {كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ} من المدينة إلى بدر إخراجا {بِالْحَقِّ} الوحي إليك من لدنه.